هه‌ینی , نیسان 19 2024
Home / غير مصنف / مشاهير كوردستان / صلاح الدين الايوبي ومشكلة صور قراءة تحليلية في الجدل الاستشراقي- الاستشراقي

صلاح الدين الايوبي ومشكلة صور قراءة تحليلية في الجدل الاستشراقي- الاستشراقي

أ.د. ناصر عبد الرزاق الملا جاسم

كلية الاداب- جامعة الموصل

       من القضايا التاريخية التي اثير بشأنها جدلٌ كبيرٌ في سيرة القائد والمجاهد صلاح الدين يوسف بن ايوب ماعرف بـ(مسألة صور)، فبعد انتصار صلاح الدين الظافر في حطين في 25 ربيع الثاني عام 583/ 4 تموز 1187 بدأ بحرب تحرير شاملة تمكن فيها في غضون ثلاثة اشهر من تحرير اغلب مدن وقلاع مملكة القدس الصليبية. تلك المملكة التي صمدت قرابة قرن من الزمن في مواجهة جيوش المسلمين. وتوج ذلك كله بتحرير القدس الشريف في ليلة الاسراء 27 رجب/2 تشرين الاول من السنة نفسها.[1]

وبقيت مدينة صور وحدها بين مدن المملكة صامدة في وجه قوات صلاح الدين ولم تستلم له، الامر الذي دفع المؤرخ عز الدين بن الاثير لاتهام صلاح الدين بأنه السبب وراء ذلك، فقد ترك الصليبيين يغادرون القلاع والمدن التي استسلمت له،  ويتحشدون فيها، فضلا عن عدم اصراره على المضي في حصار المدينة بعد المقاومة التي اظهرها حاكمها الصليبي كونراد مونتفرا. ونص ابن الاثير هو:

“لمَّا رَأَى صَلَاحُ الدِّينِ أَنَّ أَمْرَ صُورَ يَطُولُ رَحَلَ عَنْهَا، وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَتُهُ، مَتَى ثَبَتَ الْبَلَدُ بَيْنَ يَدَيْهِ ضَجَرَ مِنْهُ وَمِنْ حِصَارِهِ فَرَحَلَ عَنْهُ، وَكَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لَمْ يَطُلْ مُقَامُهُ عَلَى مَدِينَةٍ بَلْ فَتَحَ الْجَمِيعَ فِي الْأَيَّامِ الْقَرِيبَةِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، بِغَيْرِ تَعَبٍ وَلَا مَشَقَّةٍ.

فَلَمَّا رَأَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ شِدَّةَ أَمْرِ صُورَ مَلُّوهَا، وَطَلَبُوا الِانْتِقَالَ عَنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ ذَنْبٌ فِي أَمْرِهَا غَيْرَ صَلَاحِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ هُوَ جَهَّزَ إِلَيْهَا جُنُودَ الْفِرِنْجِ، وَأَمَدَّهَا بِالرِّجَالِ وَالْأَمْوَالِ مِنْ أَهْلِ عَكَّا وَعَسْقَلَانَ وَالْقُدْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ. كَانَ يُعْطِيهِمُ الْأَمَانَ وَيُرْسِلُهُمْ إِلَى صُورَ، فَصَارَ فِيهَا مَنْ سَلِمَ مِنْ فُرْسَانِ الْفِرِنْجِ بِالسَّاحِلِ، بِأَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ التُّجَّارِ وَغَيْرِهِمْ، فَحَفِظُوا الْمَدِينَةَ وَرَاسَلُوا الْفِرِنْجَ دَاخِلَ الْبَحْرِ يَسْتَمِدُّونَهُمْ، فَأَجَابُوهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ لِدَعْوَتِهِمْ، وَوَعْدِهِمْ بِالنُّصْرَةِ، وَأَمَرُوهُمْ بِحِفْظِ صُورَ لِتَكُونَ دَارَ هِجْرَتِهِمْ يَحْتَمُونَ بِهَا وَيَلْجَأُونَ إِلَيْهَا، فَزَادَهُمْ ذَلِكَ حِرْصًا عَلَى حِفْظِهَا وَالذَّبِّ عَنْهَا. وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا صَارَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الْحَزْمَ، وَإِنْ سَاعَدَتْهُ الْأَقْدَارُ، فَلَأَنْ يَعْجِزَ حَازِمًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَظْفَرَ مُفَرِّطًا مُضَيِّعًا لِلْحَزْمِ، وَأَعْذَرُ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ.”[2]

وثمة رواية ثانية اضفت ظلالا اخرى على مسألة صور هي رواية المؤرخ الصليبي آرنول الذي تحدث عن حصارين قام بهما صلاح الدين لصور وليس حصارا واحدا كما ذكرت المصادر العربية، فقد حاصر المدينة للمرة الاولى وهو يتوجه الى بيروت وان المدينة كانت على وشك التسليم، بل ان صلاح الدين قد ارسل اعلامه لرفعها على اسوارها. الا ان قدوم احد القادة الصليبيين بالصدفة من القسطنطينية وهو الماركيز كونت مونتفيرا قلب مصير المدينة رأسا على عقب، حيث القيت اعلام صلاح الدين في الخندق وبدأت المدينة تعد العدة لمقاومة الحصار. [3] ولم يفلح صلاح الدين في الاستيلاء على المدينة، بل انه جلب والد كونراد وهدد بقتله اذا لم يفتح له ابوابها، الا ان القائد الصليبي اجاب بأنه لن يستبدل بوالده حجرا واحدا من احجار صور، فاسقط في يد صلاح الدين وتخلى عن الحصار.[4]

وقد كان للمستشرقين الغربيين حصتهم في النقاش الذي اثير في هذه المسألة. واول من تناولها المستشرق البريطاني ستانلي لين بول[5] الذي أولى في كتابه (صلاح الدين وسقوط مملكة القدس) عناية كبيرة لهذه الحادثة، فقد كرس نصف صفحة فقط  للحديث عن عملية تحرير المدن التي كانت تابعة للملكة الصليبية بعيد معركة حطين ثم افرد أربع صفحات للحديث عن حصار صور الاول، وخمسة صفحات عن حصار المدينة الثاني. وجاء المستشرق البريطاني السير هاملتون جب[6] ليفرد لصلاح الدين جانبا من اهتمامه، فكتب في مصادره، وسيرته، وشخصيته. وآخر ما نشر له كتاب (حياة صلاح الدين بالاستناد الى كتابي النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية)، وذلك عام 1973 ،[7] اي بعيد وفاته. وقد توقف جب امام هذا الموضوع وناقشه على ضوء درايته المعمقة بالمصادر العربية وموقفه من المؤرخ ابن الاثير كما سنرى.

وقد كان للمستشرق الامريكي اندرو اهرنكروتز[8] اسهامه في تناول سيرة صلاح الدين عندما نشر عام 1972 كتابا بعنوان (صلاح الدين: سلطان بلاد الشام ومصر)، اتبع فيه رؤية انشقاقية فيما يخص سيرة صلاح الدين، ومنها تناوله لمرحلة الجهاد ضد الصليبيين بعد عام 583هـ/ 1187م،[9] ووجد موضوع صور فرصة ثمينة لوضع صلاح الدين في صورة قاتمة، فقد أهمل ما حققه صلاح الدين من إنجازات بتحرير المدن والقلاع التي كانت للملكة الصليبية ليلتفت إلى تجاهل صلاح الدين لحصار صور قبل تحرير القدس. [10]  وصدّر مبحثا خاصا لموضوع صور بعنوان درامي هو ( فشل صلاح الدين الكارثي عند صور). [11] وبالمقابل فان كتاب (صلاح الدين وسياسات الجهاد) الذي صدر عام 1982 بقلم مستشرقين بريطانيين هما ملكوم ليونز[12] وديفيد جاكسون[13] كان أكثر توازنا في عرضه لموضوع صور، إذ لم ينساق المؤلفان وراء معالجة اهرنكروتز التي غالت في أهمية موضوع صور. [14] لكنهما لم يميلا لتفسير المستشرق جب للحادثة وهو الذي ادان المؤرخ ابن الاثير لتحزبه ضد ابن الاثير.

المستشرقون وروايات ابن الاثير وآرنول   

لقد آمن لين بول تماما بماذكره ابن الأثير وعدّه بالغ الموثوقية، لأن ابن الأثير – كما يرى لين بول- كان قريبا من الاحداث، فقد كان في حلب آنذاك. [15] بينما لمن يكن ليونز مقتنعا بالقاء ابن الاثير اللوم على صلاح الدين في مجريات الاحداث، لكنه أكد بدوره بأن صلاح الدين قد أخطأ عندما تخلى عن محاصرة صور وتوجه بدلا عن ذلك الى القدس، بما اتاح لكونراد فرصة من الوقت لاستجماع قوته وتحصين المدينة.[16]

ويقدم اهرنكروتز- من منطلق مغاير- أكثر المعالجات تطرفا لهذا الموضوع واقلها جدارة بالقبول، فقد  سعى دائبا للبحث عن منافذ يتسلل من خلالها للطعن بصلاح الدين وإنجازاته. وقدر تعلق الأمر بتجاهل صلاح الدين لحصار صور قبل تحريره للقدس يحكم اهرنكروتز بأن صلاح الدين قد ارتكب “خطأ استراتيجيا مهلكا أتى على كل من حققه نصر حطين” بتفضيله الاستيلاء على عسقلان من بعدها القدس على اخذ صور. [17] ثم يفسر ذلك بطريقة لا نتحرج في وصفها بأنها مريضة ومغرضة حيث يقول : ” استهدف صلاح الدين أن يحصد دعاية مجانية هائلة من احتلال هين للمدينة المقدسة يلغي بها أي شكوك بشأن دوافعه في حملاته التي لا نهاية لها، متجاهلا صور المنيعة” [18]

إلا أن رأي اهرنكروتز هذا قد نال ما يستحقه من عدم التقدير فعده المستشرق البريطاني جورج سكانلون تفسيرا شاذا [19] في حين أبدى المؤرخ الشهير ستيفن رنسيمان امتعاضه منه ومن طريقة تعبيره عن هذا الرأي وبيّن بأن القدس هي هدف حركة الجهاد وان أي تأخير لصلاح الدين في عملية تحريرها سيجعله خائنا لهذه الحركة [20] .

ويمكن أن نعزز ما سبق بحق رأي اهرنكروتز بقولنا أن رأيه تشويه تام للحقائق عن طريق إهمال التطورات الرئيسة للأحداث وما اشتملت عليه من حقائق اساسية والتركيز على الجوانب الضيقة ، فاهرنكروتز يهمل الإشارة إلى خطة صلاح الدين الذكية في عدم الاندفاع بعد النصر في حطين إلى تحرير القدس وهمته العالية بتحرير المدن المهمة مثل عكا، وصيدا، وبيروت، وعسقلان وغيرها. واغلبها مدن لا تقل عن صور مناعة. كما أن تجاهل صلاح الدين لحصار صور في المرحلة الاولى هو قرار ذكي لأن عملية كهذه قد تستغرق وقتا طويلا مما سيؤدي إلى حلول الشتاء وهطول الأمطار وبالتالي انقضاء موسم الحملات وعودة قوات حلفائه إلى بلادها.[21] ورأى – وهو يتوقع رد الفعل الاوربي لماجرى في حطين- أن يسارع إلى تحرير القدس الشريف الذي هو قبلة أنظار مجاهدي الإسلام منذ سقوطه بأيدي الصليبيين قبل نحو قرن من الزمن. ويمكن، على النقيض من اهرنكروتز القول بأن صلاح الدين قد حقق أعظم انتصار له عندما تخلى عن محاولة حصار صور واتجه لتحرير القدس الشريف لأنه بهذا التحرير قد منح النصر في حطين قيمته الحقيقية بتحقيق غاية ما تصبو إليه نفوس المسلمين في ذلك الوقت.

ومع أن ليونز قد مال إلى تخطئة صلاح الدين لتجاهله محاصرة صور في حملته الشمالية إلا أنه انتقد زعم اهرنكروتز السابق ورأى أن تحرير القدس لا يمثل دليلا قويا على نجاح صلاح الدين او تتويجا لجهاده فحسب انه كان عملا أساسيا لكسب الدعم في جهوده لمحاربة الصليبيين وخطوة لاستقطاب المجاهدين من مختلف جوانب العالم الاسلامي. [22]

حصار صور

وبعد أن حرر صلاح الدين القدس اتجه في 25 شعبان 583هـ / 30 تشرين الأول 1187م لحصار صور. وبدأ حصارها في 22 رمضان / 25 تشرين الثاني . وبعد مضي أكثر من شهر من العمليات القتالية المتواصلة ونتيجة لحلول فصل الشتاء القاسي وضجر قوات حلفاء صلاح الدين ورغبتهم الشديدة بالعودة إلى أراضيهم وافق صلاح الدين على التخلي عن حصار المدينة والعودة إلى عكا في أخر شوال أي بداية كانون الثاني عام 1188 م .

وينحي ابن الأثير، كما ذكرنا، باللائمة على صلاح الدين بسبب فشله في اخذ صور ويعزو هذا الفشل إلى  لعدم قدرة صلاح الدين على المطاولة في  اعمال الحصار من جانب [23] والى مسؤوليته عن تحشد الصليبيين الذين أجلاهم بالأمان عن المدن والقلاع التي حررها سابقا وارسالهم الى صور، مما أسهم في تركزهم في هذه المدينة. [24]

وكما هي عادة لين بول في تعامله مع نصوص ابن الأثير فأنه ينقل عنه اتهاماته لصلاح الدين ويسعى من جانب أخر لتبرير موقفه  فهو بعد إقراره لاتهام ابن الأثير بعجزه عن مباشرة عمليات الحصار الطويلة فأنه يعزو ذلك إلى تنوع واختلاف العناصر التي تشكل منها جيشه وسعي هذه العناصر وراء الغنائم والانتصارات السريعة في حين تخلق عملية الحصار الطويلة اجواء الصراعات والخصومات [25] .

ويؤيد من جانب أخر الاتهام الثاني الذي وجهه ابن الأثير لصلاح الدين وعزا ذلك إلى قلة انتباه صلاح الدين للأمر حيث كان الأجدر به- برأي لين بول- أن يقتاد كل حاميات المدن والقلاع الصليبية أسرى إلى دمشق ولا يطلق سراحهم إلا بعد أن يسود السلام [26] كذلك ينتقد لين بول عملية حصار صلاح الدين لصور ورأى أن صلاح الدين لم مستعدا للعملية استعدادا كافيا [27] مما دفعه إلى القول بأن حصار صور لم يكن عملا عسكريا أو سياسيا ناجحا [28] ويصل الى خلاصة نهائية، فحواها أن صور لو سقطت بأيدي صلاح الدين لما استطاعت الحملة الصليبية الثالثة الوصول الى عكا. [29]

وقد أثارت أراء لين بول هذه المؤرخ والمستشرق وليم لويس ستيفنسن صاحب كتاب (الصليبيون في الشرق) الذي نشر للمرة الاولى عام 1907 ، ودعته للتوقف أمام هذا الموضوع [30] وقد رد بشدة على نقد ابن الأثير ولين بول لإطلاق صلاح الدين سراح الأسرى ، أو إعطائه الأمان للحاميات في مقابل تسليم المدن والقلاع مشددا على صواب هذه السياسة التي نجحت في بضعة أشهر في تحرير كل ما كان تابعا للمملكة الصليبية باستثناء صور ،  منبها الى أن صلاح الدين لو سلك سبيلا معاكسا لاحتاج إلى وقت طويل قبل أن يحقق غايته. [31] وان معيار نجاح سياسته هذه يتمثل في فشل الحملة الصليبية الثالثة بسبب خضوع المنطقة بأكملها لسيادة صلاح الدين. [32] ويرفض كذلك الربط بين بقاء صور بأيدي الصليبيين وبين الحملة الصليبية الثالثة معتبرا ذلك أمرا مبالغا فيه لأن صور لم تكن سوى الموقع الذي نزلت فيه قوات أوربا المستنفرة أي أن العامل الحاسم في القضية هو تدخل الأوروبيين في الصراع وتدفق قواتهم إلى الأراضي المقدسة [33] .

وقد أيد جب حكم ستيفنس على سياسة صلاح الدين، ومَنَحها أبعادا أكثر وضوحا بقوله أن صلاح الدين لو اتخذ سياسة الحصار المنظم لكل قلعة او مدينة او حصن لما فتح عشر ما فتحه من مدن وقلاع عند وصول قوات الحملة الصليبية الثالثة. ويتساءل عن طبيعة الموقف كان صلاح الدين سيواجهه لو وجدت جيوش الحملة في القلاع الصليبية الصليبية حاميات تعمل في مؤخرة جيوش صلاح الدين. [34]

أما فيما يتعلق بالانسحاب من أمام صور فينتقد جب بشدة رواية ابن الأثير المتعلقة بضجر صلاح الدين من الحصار، ومن تبناها من الأوربيين. [35] وفي تحليله للرواية يخلص إلى أنها ليست أكثر من تشويه متعمد لرواية عماد الدين التي ذكرها في ( الفتح القسي)، فابن الأثير- وفقا للمستشرق جب، سعى إلى تبرئة قوات الزنكيين من تبعات الانسحاب من أمام صور وإلقى المسؤولية كل المسؤولية على كاهل صلاح الدين. [36]

وعلى الرغم من الأدلة الثابتة التي دحضت أراء  لين بول فأن اهرنكروتز خلافا لدأبه بنقض أراء لين بول قد عمد هذه المرة إلى تبني لا مواقفه فحسب بل كذلك استعان بمعالجاته للأحداث. وطريقة عرض اهرنكروتز لحصار صور تمثل مرحلة جديدة من مراحل طعنه بشخصية صلاح الدين إلا انه يتجاوز هذه المرة كل معطياته السابقة في هذا المجال، وهو يتفق في البداية مع لين بول بأن فشل الحصار هو نقط تحول في تاريخ الانتصارات في سيرة صلاح الدين. [37] ثم يتفق معه كذلك في التأكيد على ضعف مقدرة  قوات صلاح الدين على تحمل حصار شاق يستنزف الجهد والوقت والمال لكنه (أي اهرنكروتز ) ينسب ذلك العجز وبطريقة متجنية إلى صلاح الدين حيث يرى أن صلاح الدين لو كان قادرا على إثارة الحماس بين قواته أو الهامها  لكانت القوات قد بقيت أمام صور متجاوزة صفتها الإقطاعية كعساكر موسمية. [38] وان رحيلها يظهر بأن صلاح الدين لم يكن بالرجل القيادي الذي تنقاد له الجموع انقيادا أعمى نحو الجهاد. [39] ويعزو ذلك إلى سلوك صلاح الدين الشخصي والسياسي الذي لم يكن، بزعم اهرنكروتز، قدوة لإتباعه بما يلهمهم بنكران الذات في قضية الجهاد، فهم على دراية بخطوات صلاح الدين المتواصلة لتقوية وتوسع سلطته الشخصية و ( طموحات الأسرة الأيوبية ). [40] ويستنتج اهرنكروتز في النهاية بأنه حتى استرجاع القدس لم يمح من النفوس ما اعتراها من شكوك بشأن إخلاص صلاح الدين لقضية الجهاد. [41]

وإذا كنا قد فصلنا في استعراض أراء اهرنكروتز فذلك ليتضح المدى الذي يمكن أن تدفع الأهواء الشخصية بعض المستشرقين للابتعاد عن الموضوعية أو المنهجية العلمية. ومعالجة اهرنكروتز هذه قد أوقعته في تناقض كبير لا مع  ستيفنسن، وجب، وليونز ( كما سنرى ) فحسب بل مع نفسه أيضا حيث يقطع من يتابع تطور أفكار اهرنكروتز عن شخصيته صلاح الدين بوجود شرح كبير فيها، فقد بذل عناءً شديدا في الفصول الأولى من كتابه لكي يبرهن بأن صلاح الدين كان قائدا ميدانيا كفأ وجسورا وزعيما ملهما للمدنيين والعسكريين على السواء [42] يأتي الآن ليقدم صورة مناقضة تماما يتهمه فيها بالعجز والضعف في القيادة وفي ادارة القتال.

أما روايته لأحداث عملية حصار صور فضعيفة للغاية ومتجنية إلى حد كبير ، وهو يستهلها بالبحث فيها عما أسماء التناقض الكبير بين معنويات الصليبيين العالية في صور وبين ( الطبيعة الانهزامية ) للقوات الإسلامية. [43] وهو يتجاهل بذلك حقيقة أن هذه القوات، التي وصمها بالانهزامية، هي التي سحقت كل الجيش الصليبي الضخم في حطين، وتمكنت من تحرير اغلب المدن والقلاع التي كانت تابعة للمملكة الصليبية، اما القوات الصليبية في صور فهي تمثل بقايا حاميات القلاع والمدن التي استسلمت لصلاح الدين. كما يتجاهل اهرنكروتز أيضا المعارك الضارية التي خاضتها القوات الإسلامية في محاولة لاختراق أسوار صور المنيعة. [44]

والمسالة الاخرى التي يتوقف امامها اهرنكروتز هي تعرض خمس سفن من الأسطول الاسلامي خارج ميناء صور لغارة مفاجئة من الصليبيين. ويضع هذه الحادثة في صورة اكبر بكثير مما هي في حقيقتها، إذ يجعلها تحتل القسم الأكبر من روايته عن الحصار من جانب كما يعتبرها إيذانا بدخول أسطول صلاح الدين في ( المرحلة الكارثية ) وهي المرحلة الأخيرة من مراحل ثلاثة مر فيها ، بزعمه ، أسطول صلاح الدين [45]

وتعكس معالجته لهذه المسالة احد أبرز أساليب اهرنكروتز في تدعيم وجهة نظره، وتتمثل بالمبالغة في إعطاء حوادث ومواقف معينة أحجاما اكبر بكثير مما تستحقه أو التقليل المخل من جانب أخر من قيمة حوادث ومواقف أخرى. وتأتي معالجة عملية استيلاء الصليبيين على السفن المذكورة انموذجا على ذلك فهو يمنح العملية نتائج غير منطقية فهي ، برأيه ، قد مثلت نقطة تحول لا في  عملية حصار صور فحسب بل كذلك في تاريخ شرقي المتوسط برمته إذ أدى فشل حصار صور الذي حدث بسبب هزيمة الأسطول إلى ( حرمان صلاح الدين ) من السيادة على شرقي المتوسط. [46]

إلا أننا يمكن أن نرى من مقارنة روايتي اهرنكروتز لحصار صور: الاولى التي تضمنها  بحثه الموسوم ” مكانة صلاح الدين في التاريخ البحري لمنطقة شرق المتوسط ” ورواية كتابه عن صلاح الدين أن اهرنكروتز يسعى لتزوير الحقائق، فهو يحاول في بحثه أن يبالغ في إبراز تفوق المسلمين الكبير برا وبحرا ، وضعف الصليبيين داخل صور لكي يمنح عملية القبض على السفن أهمية كبيرة باعتبارها قد غيرت موازين السيادة البحرية على البحر المتوسط أما في كتابه فيقلب الصورة في خلال تأكيده على ضعف المسلمين وتفوق الصليبيين [47] وذلك للنيل في قيادة صلاح الدين مقارنة بقيادة كونراد للصليبيين. [48]

ويقدم ليونز وجاكسون، خلافا للين بول واهرنكروتز موقفا رافضا لنقد ابن الأثير لسياسة صلاح الدين بإعطاء الأمان لحاميات والسماح لها بالمغادرة دون اقتيادها أسيرة. وهما يكرران ما ذكره ستيفنسن وجب من أن ذلك قد وفر عليه الوقت والرجال [49] لكن ذلك لم يمنعهما كم موافقة اهرنكروتز جزئيا في الإشارة إلى ضعف سيطرة صلاح الدين على قواته وعجزه عن منعها من المغادرة. [50] ويربطان ذلك بصورة غير مقبولة برأي نابليون بونابرت عند حصاره للمدينة نفسها تحدث عن أهمية صور [51] إلا أننا يمكن أن نرد على ذلك بالإشارة إلى مقولة ستيفنسن الذي أنكر أن يكون لعدم سيطرة صلاح الدين صور من الأهمية التي نسبها لها المؤرخون المحدثون والمتأخرون. [52]  وقد أيد ليونز نفسه هذا القول عندما ذكر بأن سقوط صور لم يكن ليعني الكثير طالما بقيت مدن اخرى مثل طرابلس وأنطاكيا موانئ لا نزال الإمدادات الصليبية من الغرب [53] .

أما رواية ليونز عن الحصار فتستند بالدرجة الأساسية إلى عماد الدين في كتابيه ( الفتح ) [54] وبدرجة اقل ( السنا ) [55] لكنه لا يلفت الانتباه إلى ما بين الروايتين من عدم التطابق، فالاختلاف الأساس بين ( السنا )و ( الفتح ) يتمثل في مراحل تطور احتجاجات الأمراء على صلاح الدين بضرورة التخلي عن حصار صور ويمكن متابعة هذا الاختلاف كالأتي :

 الفتح سنا البرق
أ- تهامس الأمراء فيما بينهم بشأن الرحيل عن صور  أ – الاستيلاء يبدأ بعد  انتكاسة الأسطول
ب-وصول هذا التهامس إلى صلاح الدين فحث الأمراء على ضرورة مواصلة الحصار ووزع عليهم الأموال. ب- تهامس الأمراء وتذمرهم فيما بينهم
ج- رد طائفة منهم برفض الرحيل ج- وقوف بعض الأمراء ضد فكرة الرحيل
د. أكد صلاح الدين على ضرورة الصبرومواصلة الحصار ووزع الأموال عليهم د- انتكاس الأسطول مما زاد من الاستياء
هـ – تماهل  بعض الأمراء في أداء  واجباتهم هـ- إصدار صلاح الدين الأوامر للقيام بهجوم نهائي واسع ينسحب بعده الجيش في حال الفشل
و- ازدياد الالحاح على الانسحاب و- فشل الهجوم وانسحاب جيش صلاح الدين
ز- موافقة صلاح الدين على الرحيل وانسحاب الجيش

والمقارنة توضح المسالة التي تحدث عنه المستشرق جب والتي لم اغفلها اهرنكروتز كليا ولم يشدد عليها ليونز، الا وهي الضغط الكبير الذي مارسه الامراء من حلفاء صلاح الدين واتباعه لغرض التخلي عن حصار صور بعد ان اجتمعت لديهم اموال كبيرة من الغنائم التي حصلوا عليها بفعل عمليات التحرير للمدن في الاشهر الماضية، وتوقهم للرجوع الى بلادهم لقضاء الشتاء والعودة في موسم الحملات القادم.

ومهما يكن من امر فقد اتضح ان المستشرقين قد اتخذوا مسارات متباينة في تناولهم سيرة صلاح الدين. وتأتي مسألة صور وبقائها بايدي الصليبيين من بين المسائل التي اثير بشأنها الجدل بين المستشرقين، بين من يبالغ في اعطاء هذه المسالة ابعادا اكبر من حجمها ويجعلها نقطة تحول في تاريخ الشرق الاوسط مثل المستشرقين ستانلي لين بول واندرو اهرنكروتز وبين من نفى ذلك نفيا قاطعا مثل المستشرقين وليم ستيفنسن وهاملتون جب، وبين من حاول ان يقدم رؤية متوزانة كما هو الحال مع مالكوم ليونز وديفيد جاكسون في كتابهما عن صلاح الدين. وينعكس كل ذلك في طريقة تناول الموضوع في قراءة المصادر والتركيز على موضوعات معينة وتجاهل اخرى وفي المبالغة او التقليل من شأن الروايات التاريخية. وأهم ما يمكن استنتاجه من ذلك كله هو ان الاستشراق لم يكن ابدا جنسا واحدا او موقفا ثابتا تجاه الشرق ورجالاته، فمن الخطا ان نضع المستشرقين في قالب واحد ونصدر بشأنهم احكاما تشملهم جميعا.

[1]  المصادر الأساسية التي عالجت هذه الحرب: عماد الدين محمد بن محمد الكاتب الاصفهاني، الفتح القسي في الفتح القدسي( القاهرة، دار المنار، 2004) ، ص 76-115 ، قوام الدين ابو الفتح البنداري، سنا البرق الشامي، تحقيق: فتحية النبراوي،( القاهرة، مكتبة الخانجي، 1979) ، ص 299-309؛   يوسف بن رافع بن تميم بن شداد، النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، تحقيق: جمال الدين الشيال،( القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1963)، ص 79-81 ؛ ا عز الدين علي بن ابي الكرم ابن الاثير، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري( بيروت، دار الكتاب العربي، 1997)، ج10، ص

[2] ابن الاثير، الكامل، ج10، ص 40-41.

[3] Stanley Lane –Poole, Saladin and the Fall of the Kingdom of Jerusalem, (London , Heroes of Nations,1898(, pp. 220-223

[4] Ibid., p. 222.

[5] ساتلي لين بول، (1874-1932): مستشرق بريطاني ولد عام 1854 لاسرة برز فيها مجموعة من المختصين بالاستشراق مثل عم ابيه ادوارد وليم لين، وبالتاريخ مثل عمه المؤرخ رديجنالد لين بول، عمل امينا على النقود الشرقية في المتحف البريطاني، ثم انتقل الى مصر وعمل موظفا في دائرة الاثار المصرية، واصبح 1897-1905 استاذا للدراسات الشرقية في جامعة دبلن. وتقاعد عام 1905 وكتب عشرات المؤلفات في التاريخ الاسلامي، من بينها ( تاريخ المسلمين في الاندلس) و ( مصر في العصور الوسطى)، ( طبقات سلاطين الاسلام ).

[6] هاملتون جب(1895-1971) استاذ اللغة العربية في جامعات لندن واوكسفورد وهارفارد. الف عددا من الكتب مثل الفتوحات العربية في اسيا الوسطى، والمجتمع الاسلامي والغرب والمحمدية وبنية الفكر الديني في الاسلام، وترجم عددا من الكتب الى الانكليزية مثل تاريخ دمشق لابن القلانسي ورحلة ابن بطوطة.

[7]  H. A. R. Gibb, The Life of Saladin, (Oxford, Clarendon, 1937)

وقد ترجم الى العربية وصدر في اربيل عام 2015 تحت عنوان

هاملتون الكسندر روسكين كب، حياة صلاح الدين الايوبي بالاستناد الى كتابات بهاء الدين وعماد الدين الاصفهاني، ترجمة ناصر عبد الرزاق الملا جاسم( اربيل، مجلة الحوار، 2015)

[8] اندرو اهرنكروتز(1921-2009) مستشرق امريكي من اصل بولندي. درس في بريطانيا في مدرسة الدراسات الاستشراقية والافريقية في جامعة لندن في اطروحة عن الاقتصاد الايوبي، وانتقل الى الولايات المتحدة واصبح استاذا في جامعة ميتشكان. الف عددا من المؤلفات في الاقتصاد الاسلامي، وتحديدا في النقود.

[9] Andrew Ehrenkreutz, Saladin: Sultan of Egypt and Syria, (New York, New York University Press, 1972).

[10] Ibid., pp. 203-204.

[11] Ibid., pp.206-208.

[12] ملكوم ليونز 1929-2019 مستشرق بريطاني عمل استاذا في جامعة كمبردج، لديه عدد من المؤلفات في التاريخ والثقافة الاسلامية والادب العربي. اعاد ترجمة الف ليلة وليلة ونشرها في ثلاثة اجزاء عام 2009.

[13] ديفيد جاكسون(1941-: استاذ في قسم الدراسات العربية في جامعة سانت اندروز. ومدير مدرسة الدراسات العباسية، احيل على التقاعد وتوفي في 2014

[14] لم يخصص لها في المرحلة التي سبقت القدس بضعة اسطر ، بينما احتلت روايته لحصارها نحو 3 صفحات

[15]  Lane –Poole, pp. 220-222

[16]  Malcolm Lyons & David E.P. Jackson, Saladin: the Politics of the Holy War,( Cambridge, Cambridge University Press, 1982),

[17]  Ehrenkreutz, Saladin, pp. 204

[18]  Ibid, pp.204

[19]  George Scanlon, “Review of Andrew Ehrenkreutz, Saladin,”, Journal of Semitic Studies, 1975, Vol. XX, p.227.

[20]  Steven Runciman ” Review of Ehrenkreutz, Saladin”, JRAS, 1974, p.69

[21]  من المعروف أن القوات التي كانت تقابل به تحت قيادة صلاح الدين أي قوات حلفائه في الجزيرة وبلاد الشام كانت تأتي للقتال مع نهاية فصل الربيع وتعود إلى أراضيها مع بداية الشتاء وذلك للاستجمام والقيام بإدارة شؤونها الخاصة وكذلك لتعذر القتال الأمطار والبرودة الشديدة في الشتاء

[22]  Lyons, Saladin, p.266

[23]  ابن الأثير، الكامل ، ج 10، ص 89

[24]  نفسه ، ج 10 ، ص 88 .

[25]  Lane_ Poole ,pp. 241-242

[26]  Ibid,p.243

[27]  Ibid,p.243

[28]  Ibid,p.243

[29] Ibid., p.244.

[30]    لم يشير ستيفنسن صراحة إلى لين بول واكتفى بأن ذكر ( المؤرخين المحدثين )

Stevenson, The Crusaders in the East, (Cambridge, Cambridge University Press, 1907), p.255

[31]   Ibid,p.256

[32]   Ibid,p.256

[33]   Ibid,p.256

ويمكن أن ندعم رأي ستيفنسن بما قاله المستشرق وليفرد مايلدلونك من أن سقوط صور لم يكن ليؤثر بصورة فعلية  على قيام الحملة الصليبية الثالثة.

Wilfred Madelung, “Review of Ehrenkreutz, Saladin & Hamilton Gibb, Life of Saladin”, JNES, 1975, Vol.34, p.210.

[34]  هاملتون أ ر جب ، صلاح الدين الايوبي: دراسات في التاريخ الاسلامي، ترجمة وتحرير يوسف ايبش،( بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1973)، ص 198    Gibb, Life, p.55.n.3

[35]  من الواضح انه قصد لين بول

[36]  جب، صلاح الدين، ص 198.

[37]  Ehrenkreutz , Saladin, p. 208 Lane –Poole ,p.241

[38] Ehrenkreutz, Saladin, p. 207.

[39]   Ibid,p.207

[40]    Ibid., Saladin, p. 207

[41]  Ibid,p.208

[42]   Ibid,p.44

[43] Ibid., p. 206

حول هذه المعارك انظر :

[44]  عماد الدين، الفتح ، ص 89،  البنداري، سنا ، ص 319-320، 318-320 ابن الأثير، الكامل ، ج 10 ، ص 90.

[45]  تعود أراء الإشارة إليه وقد عاد في كتابه ليكرر هذه الاتهامات

ِAndrew Ehrenkreutz ,” The Place of Saladin in the Naval History of the Mediterranean Sea in the Middle Ages”, JRAS, 1955, Vol. 75,  p. 110

[46]  Ibid., p.111

[47]   Ehrenkreutz, Saladin, pp.206-207

[48]   Ehrenkreutz, “The Place …” p.111

[49]  Lyons p.283

[50]  Ibid,, p.283

[51]  يقارن ليونز بين انسحاب صلاح الدين من أمام صور وبين تشديد نابليون على أهميتها وانه سيمضي سبع سنوات في حصارها لو استدعت الضرورة ذلك. وفي الحقيقة ليس ثمة وجه شبه بين كلا الموقفين  Ibid,p.283

[52]   Stevenson, The Crusaders, p.255 “

[53]  Lyons, Saladin, p.282

[54]   قدم كتاب الفتح لليونز مادته الأساسية عن الحصار وذلك لاتساع روايته قياسا للرواية المختصرة في ( السنا ) وقد استعان به ليونز لاستعراض تحركات صلاح الدين قبل الهجوم على المدينة وفي حديثه عن الانتكاسة التي تعرضت لها السفن الإسلامية عند صور وكذلك عن الهجوم الأخير الذي شنه المسلمون.

عماد الدين، الفتح ، ص 88-91، Lyons , p.282

[55]   سنا ، ص 321-322

287605014_516732670195472_1403496600239093246_n

291929884_2318644468276802_128070271214013734_n

 

Facebook Comments Box

About Didar

Check Also

gfff

شبهات حول التاريخ الإسلامي الكُردي عرض ونقد بإختصار

ب.د. فرست مرعي استاذ التاريخ الإسلامي في فاكلتي العلوم الإنسانية/ جامعة زاخو    تثار بين الحين …