شه‌ممه‌ , نیسان 27 2024

الكرد في أوزبكستان

الكرد في أوزبكستان

بقلم الدكتور محمد علي الصويركي
___________
كلمات للتأمل
– “لا تتوقفوا عن النضال حتى تتحرروا كباقي الشعوب ..لا قيمة لمال الدنيا.. حتى يصبح لكم وطن وتمتلكون الحرية وتصبح أموالكم وأرضكم ووطنكم لكم”. (القاضي محمد: رئيس جمهورية مهاباد).
-” أعرف الكرد جيداً، وهم شعب ذكي لكنني قد لا أرى كردستان محررة، ولكن جيلاً سيأتي ويبصر ولادة دولة كردستان، والشعب الكردي يستحق دولته المستقلة”. (الزعيم الأفريقي: نلسون مانديلا).
___________

لمحة عن أوزبكستان.
استعمرت أوزبكستان من قبل روسيا عام 1868م، لكنها دخلت في الصف الاشتراكي بعد الثورة البلشفية في عام 1917م، ثم تأسست جمهوريات أوزبكستان السوفيتية عام 1924م، وبعد انهيار تحت الاتحاد السوفيتي حصلت على استقلالها في 1 أيلول لعام 1991م، وتعد دولة علمانية ديمقراطية.
كلمة (أزبيك) تعني: أي أنا (بيك)، و(ستان) تعني: الأرض. ومعنى الكلمة: (أنا البيك صاحب هذا الأرض، أو مالك الأرض)، علماً بأنه يوجد الكثير من المفردات الكردية في اللغة الأوزبكية.
تقع أوزبكستان في آسيا الوسطى، وعاصمتها مدينة (طشقند)، وفيها أقاليم لها شهرة عريقة في تاريخ الإسلام كبخارى وسمرقند وطشقند وخوارزم التي قدمت علماء أثروا التراث الإسلامي بجهودهم كالإمام البخاري، والخوارزمي، والبيروني، والنسائي، وابن سينا، والزمخشري، والترمذي وغيرهم.
تسود فيها اللغة الرسمية التالية: الأوزبكية، والروسية، والطاجيكية، وقليلاً منهم يفهم اللغة الفارسية القديمة التي يتكلم بها الناس في طاجيكستان وأفغانستان.

تبلغ مساحتها 447.400كم، و عدد سكانها حسب إحصاء سنة 1998م (23.784.300) نسمة، ويقدر عدد المسلمين فيها 14.872.440 نسمة، يحدها من الشمال الغربي كازاخستان، ومن الجنوب تركمانستان، ومن الشرق قرغيزيا وطاجكستان.
أغلب سكانها ينتمون إلى مجموعة الأوزبك، ويشكلون أغلبية سكانها بنسبة 71،4%، ومن القرزيق 4%، ونسبة مماثلة من الطاجيك، وحوالي 5% من التتار، ونصف هذه النسبة من القراقل باك، ومن الأكراد بنسبة 5%، والتركمان، وكل هذه العناصر مسلمة تشكل الأغلبية الكبرى في البلاد 88%، كما يشكل المسيحيون الروس 12% من السكان.

تاريخ الكرد في أوزبكستان.
الوجود الكرد قديم في أوزبكستان يرجع إلى ما قبل الميلاد وخصوصاً في عهد انتشار الديانة الزرادشتية التي انطلقت من بلاد الأكراد، وقد عثر في أوزبكستان دار عبادة للزرادشتين في مدينة (نمنغان) التي تعود إلى ما قبل الميلاد – أي في عهد الديانة الزرادشتية- وهناك عدد هائل من الأوزبكيين ممن ينتمون إلى هذه الديانة، وهناك أسماء أوزبكية مثل:علي شير، زارة , شيرزاد.. وهذه الأسماء تعود إلى الديانة الزرادشتية.
ويقال بأنه عندما احتل (أمير تيمور) بلاد كردستان وإقليم خرسان في القرن الرابع عشر الميلادي قام بإرسال الكثير من العلماء الأكراد وأصحاب المهن النادرة إلى بلده في أوزبكستان.
وفي القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديين أرسل الشاه الإيراني الصفوي المشاة العسكرية إلى الحدود لكي يحموها من خطر التركمان والأوزبكيين، وأرسل الكرد لحراسة الحدود الشمالية، وفي القرن التاسع عشر كان جيش (خان هيفا) يشكل الكرد القسم الأكبر منه وخصوصاً في مناطق خرسان، وعيلان، وبيلوجستان، ومنذ هذه الفترات وجد الكرد في بلاد أوزبكستان، والكثير منهم اندمج ضمن القومية الأوزبكية بسبب التعايش معهم لفترات طويلة، وبحكم اعتناقهما الدين الإسلامي حصل بينهما المصاهرة، والتكلم باللغة الأوزبكية، وغير ذلك من مظاهر الاندماج…
عندما خضعت أوزبكستان إلى حكم الاتحاد السوفييتي السابق عام 1918م بلغ عدد الأكراد فيها نحو (15) ألفاً من الذين يعتبرون أنفسهم كرداً، أما الذين انصهروا في القومية الأوزبكية فلا نستطيع تعدادهم إلا إذا اعترفوا بكرديتهم، وهناك مقولة دارجة تقول: “بأن تحت كل صخرة في أوزبكستان توجد رائحة كردية”.
تزايد عدد الأكراد في هذه الجمهورية بين أعوام 1937- 1944م، بعد التهجير القسري الذي تعرضوا له زمن الدكتاتور (ستالين) فهجرهم من بلاد القفقاس ( أذربيجان، وجورجيا، وأرمينيا)، إلى جمهوريات آسيا الوسطى ومن بينها أوزبكستان, ويقال بأن عددهم وصل إلى نحو (25-30) ألفاً، وتم توزيعهم على المناطق الزراعية في فيرغاني، وسمرقند، وبخارى.
تعود أصول أكراد أوزبكستان إلى مختلف أرجاء كردستان الموزعة اليوم ما بين إيران وتركيا والعراق وسوريا، ومنهم من يعود في أصولهم من كردستان العراق حيث أتوا منها في عام 1948م عندما أتى الملا مصطفى البرزاني ومعه الكثير من البيشمركة بعد انهيار جمهورية مهاباد عام 1946م في رحلته الشهيرة إلى الاتحاد السوفيتي، ثم أرسلوا الى جمهورية أوزبكستان بأمر من الدولة السوفيتية, وهناك تزوجوا من الأوزبكيات وأنجبوا منهن أولاداً وبنات،

وعندما قفلوا راجعين إلى كردستان العراق عام 1956م تركوا الكثير من زوجاتهم وأولادهم في أوزبكستان. ومنهم من كرد إيران اللذين كانوا في القرنين السابع والثامن عشر يحرسون الحدود الإيرانية الشمالية في العهد الصفوي من خطر الأوزبكيين والتركمان، وقد فضل الكثير منهم البقاء في أوزبكستان وتركمانستان، أما أكراد تركيا فقد حدثت هجرتهم في أواخر العهد العثماني إلى أذربيجان وجورجيا وأرمينيا نتيجة تعرضهم الاضطهاد التركي، وفي عهد الرئيس السوفيتي (ستالين) أمر بتهجيرهم قسراً من بلاد القفقاس إلى جمهوريات آسيا الوسطى ومن بينها أوزبكستان.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1990م ـ هاجم الأوزبكيون كل القوميات الموجودة على أرض أوزبكستان السوفيتية، ولكن الكرد لما يرضوا عن هذه الطريقة الظالمة, فدافعوا عن أنفسهم وجرى بينهما قتال استمر لمدة أسبوعين، ونتيجة لذلك هاجر الكثير من الكرد إلى جمهوريات كازاخستان، وروسيا الفدرالية، وقرغيزستان، وأوكرانيا مما أدى إلى نقص عددهم بشكلٍ كبير.

ليس من المهم تحديد عدد الكرد الذين انصهروا في القومية الأوزبكية، وعلى ما يبدو أنه عدد كبير، وفي الوقت الحالي يوجد نحو (5) آلاف كردي يعيشون في مدن أوزبكستان, ويتمركزون في مدن: طشقند وريفها، وألماليك, ونمنغان، وسمرقند, وجرجيك, وأندجان, وفيرغاني, وبخارى, وهيفا، ويعملون في الزراعة ويزرعون البطاطا, الرز, القطن، السمسم, والخضروات بجميع أنواعها.

من أبرز العشائر الكردية في أوزبكستان: بروكة, جلالية، شداديا، أزيزيا, والإيزديين. ويتكلمون اللغة الكردية (اللهجة الكرمانجية الشمالية)، ويكتبون اللغة الكردية بالحرف اللاتيني, ولا يوجد لديهم جمعيات ثقافية، ولا يسمح لهم بفتح (البيت الكردي) على غرار الكرد في الجمهوريات الأخرى، أو القيام بممارسة حقوقهم الثقافية والاجتماعية؛ و لا يسمح لأي من القوميات الأخرى أن تمارس حقوقها بشكلٍ علني وديمقراطي كما هو الحال في روسيا وكازاخستان وقرغيستان وجورجيا وأوكرانيا.

يعتنق أغلب أكراد أوزبكستان الدين الإسلامي السني, وبجانبهم عدد قليل من الأكراد الإيزيديين، وهم متمسكون بشكلٍ عام بعاداتهم وتقاليدهم وفلكلورهم، ويتزوجون من بعضهم البعض؛ حتى لا ينصهروا في القومية الأوزبكية، ويحتفلون بعيد النوروز؛ لأن الأوزبكيين يعتبرونه عيد وطني و ديني لهم، ولذلك فالكرد أيضاً يحتفلون معهم ولكن ليس في 21 آذار، وإنما في 22 آذار من كل عام.

تحدث الدكتور محمد أحمد البرازي – الخبير بأكراد الاتحاد السوفيتي السابق- أنه عندما كان طالباً في كلية الطب البشري في مدينة طشقند عام 1995م، وفي إحدى المحاضرات سأله المحاضر البروفيسور عالييف شيرزاد عن أصله فقال: (أنا من كردستان)، وبعد انتهاء المحاضرة صدم البرازي عندما سألته فتاة عن حقيقة كرديته..؟ فقال: نعم أنا كردي، وأفتخر. فقالت له: أنا أيضاً كردية واسمي (كلستان)، ولكني لم أعرف عن أصلي شيء، وقد تركنا جدنا وسافر لكي يحرر كردستان(كان والدها من جماعة الملا مصطفى البرزاني الذين عادوا معه للعراق رعام 1958م)، ولم نسمع عنه أي خبر سوى أنه كان شهماً وفخوراً بقوميته الكردية لدرجة تركنا وذهب ليحرر بلاده”. فقال لها: “نحن الكرد نقول: بأننا أصدقاء الجبال, وصدقنا في قولنا, نحن نحب و نعتز بعوائلنا, أكيد كان جدك أحد أبطال حركة التحرير الكردستانية، واعتبريني أخاً لكي يا (كلستان)”(1).

ويذكر الدكتور محمد البرازي حديثه عن رحلة الملا مصطفى البرزاني إلى أوزبكستان بأن الجنرال الملا مصطفى البرزاني كان برفقته (502) من البيشمركة الذين قطعوا نهر آراس حتى وصلوا إلى أذربيجان السوفييتية في شهر آب عام 1948م بأمر من السلطات السوفيتية، وعندما وصولوا إليها سكنوا في معسكرات وزارة الداخلية الأوزبكية, وبعد عدة أيام وزعوا على أماكن بعيدة عن طشقند، وسكن غالبتهم في ناحية (ألماليك) التي تبعد عنها نحو (40) كم، وهناك عاشوا في تلك المنطقة نحو عشر سنوات.

تقول السيدة ناري الملقبة (بالدكتورة ناري) عن تلك هجرة الملا مصطفى البرزاني: كنت طفلة صغيرة أسرح بالخرفان بعد نهاية دوامي المدرسي، وفي صباحٍ يومٍ باكر ٍاستيقظنا ورأينا أناس استوطنوا بجوارنا، وكانوا غريبي الشكل, وعندها سألت والدتي عنهم؟ فقالت لي: هؤلاء الغرباء يأكلون البشر؟ فقلت: لم أخف من حديث والداتي حينذاك رغم تحذيراتها لي … وكنت أسرح بالخرفان قريباً منهم، وسمعت أصواتهم تتعالى بشكل عالي، وكأنهم الكرد، إلا أنني كنت أفهمهم، وكوني كردية من كرد السوفييت، رجعت إلى والدتي وأخبرتها وقلت لها: ليس هؤلاء من الوحوش كما أخبرتني, أنهم كرد مثلنا، فصرخت والداتي بي، ومنعتني أن أقترب منهم، ولكني أخذت معي صديقتي واقتربت منهم حتى خرج منهم رجل قصير القامة، وعلى رأسه عمامة، وابتسمت، وهنا قال لي بلغته الكردية: (من أين أنت يا جميلة (توكي كجي))، فأجبته باللغة الكردية كويس (جيدة), فقال: أنت تعرفين اللغة الكردية؟ فقلت له: نعم يا
عمي، فقال: أجلبي لنا طنجرة لكي نطبخ، فركضت وسرقت من عند والدتي طنجرة وسكر وأعطيتهم إياها، وبعد يومين أرجع لنا الطنجرة وفيها بعض الطعام، وفيما بعد كبرتُ… وتزوجت من أحد البيشمركة، وأنجبت منه ولد، وأربع بنات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش: (1) من الموسوعة الحرة (ويكيبيديا). (2) محمد احمد برازي: كورد أوزبكستان، بتاريخ 5 مارس 2010م، عن موقع: سما كرد، ومنتدى Newroz نوروز.

Facebook Comments Box

About yousf nuri

Check Also

photo_2024-02-25_18-36-35

الکرد في كازاخستان

  الكرد في كازاخستان بقلم الدكتور محمد علي الصويركي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جمهورية كازاخستان أو قزخستان أو قزقستان …